هل ميقاتي هو الثالث الثابت أم المعتذر؟
عندما عمّ الحديث عن تكليف نيابي مرتقب للرئيس نجيب ميقاتي لتأليف الحكومة اللّبنانية العتيدة، استعادت اللّيرة اللّبنانية بعضاً نسبياً من عافيتها. لماذا؟ الأمر لا يحتاج إلى تفسيرات اقتصادية علمية لا بسيطة ولا معقّدة، ولا إلى عمليات حسابية مركّبة، بل إن السبب مرتبط بالعرض والطلب: كان أقدم اللّبنانيون على شراء الدولار الأميركي مقابل بيع الليرة عند اشتداد الأزمة نتيجة خلافات القوى السياسية التي أوصلت الرئيس سعد الحريري إلى الاعتذار. وحينما شعر اللّبنانيون أنّ هناك تكليفاً لشخصية جديدة هي ميقاتي، ويمكن له أن يؤلف حكومة فاعلة، أقدموا على بيع الدولار وشراء العملة الوطنية. هكذا ببساطة ازداد في الساعات الماضية عرض الدولار والطلب على اللّيرة، فتحسّن نسبياً سعر العملة الوطنية. ويتوقّع أن يستمر التدرج في العرض والطلب وفق هذا السياق.
فلنتخيل إذا حصل تأليف حكومي سريع: ستزداد وقائع عرض الدولار وطلب اللّيرة خوفاً من خسارات محتملة لمن سبق واشترى الدولار بدلًا من اللّيرة. إنها مسألة ترتبط بالثقة أو عدمها بالدولة اللّبنانية. وفي حال نجحت الحكومة العتيدة بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي ستحصل على مؤازرة مالية مطلوبة تخفّف الضغوط على اللّيرة اللّبنانية أيضاً.
بالطبع لن تستعيد العملة الوطنية عافيتها الكاملة، ولن يكون الحل الاقتصادي سريعًا من دون تدرج في المعالجات الحكومية المسؤولة في الأشهر المقبلة، لكن أمر وقف الانهيار عند حدوده الحالية ممكن، تعقبه محاولات استعادة الأنفاس اللّبنانية للبدء في مشوار طويل لفرض التئام الجروح المعيشية بعد وضع خارطة طريق مالية- اقتصادية طويلة الأمد تتعلّق بدفع لبنان نحو الانتاجية بدل مراوحته في مساحة الاقتصاد الريعي.
المهم الآن هو عدم الاستخفاف بأي خطوة سياسية تشكّل أرضية للتصدي للانهيار الحاصل. ومن هنا بالذات تشكّل عملية التكليف والتأليف الحكومي فرصة لبنانية، فهل يتم التقاطها؟.
تتحدث المعلومات عن أنّ مهمّة ميقاتي لن تكون سهلة، بسبب الاختلاف في وجهات النظر السياسية والدستورية بين فريقي رئاسة الجمهورية ورؤساء الحكومات السابقين، فيُخشى أن تتكرر تجربة الحريري، رغم أنّ ميقاتي يتمتع بقدرات أكبر وتحيط به ظروف خارجية و داخلية تخوّله النجاح في عملية التأليف الحكومي.
كل السيناريوهات واردة، لكنّ التأليف لم يُبت، ولا تتوافر مؤشرات حول ولادة مرتقبة سريعاً للحكومة. فهل يتحمّل العهد الرئاسي فشلاً جديداً لعملية التأليف بعد اعتذار مصطفى أديب ثم الحريري؟ وهل يكون ميقاتي هو الثالث الثابت أم المعتذر؟ سيؤثر الفشل وتداعياته سلباً على المشهد الداخلي بدءاً من انحدار جديد لليرة أمام الدولار وصولًا إلى تراكم الأزمات الخطيرة… فلننتظر.
عباس ضاهر